[b]أسبلة الحرم الشريف
ولما كانت الطهارة أمراً حيوياً وضرورياً في الإسلام، حيث ربطها سبحانه وتعالى بالعبادات ربطاً وثيقاً، فكان من أهم مظاهر الطهارة وجوب الوضوء قبل كل صلاة .
وعليه كان لا بد من توفير مصادر المياه في كل مسجد لتيسير الوضوء للمصلين .
ومن هذا المنطلق، فقد حرص المسلمون حرصاً شديداً على توفير مصادر المياه في الحرم الشريف وذلك من خلال احتفار الآبار وإنشاء الصهاريج والأسبلة في ساحة الحرم لتخزين مياه الأمطار. فضلاً عن الاهتمام بإيصال المياه من مصادرها الطبيعية (مثل الينابيع المجاورة في المنطقة) عن طريق حفر القنوات وتمديدها لضمان تزويد خزانات المياه المذكورة أعلاه بالمياه العذبة.
وقد بلغ عدد الآبار الموجود في ساحة الحرم الشريف والتي تعود في تاريخها للفترات الإسلامية المبكرة، خمس وعشرون بئراً عذبة: ثمان منها في صحن الصخرة المشرفة وسبع عشرة في ساحة المسجد الأقصى (1) .
وفي الفترة الأيوبية تم إنشاء عدد من السقايات (2) والصهاريج (3) ، نذكر منها سقاية الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب، الواقعة بباب المطهرة والتي تم إنشاؤها سنة 589 هجرية/ 1193 ميلادية (4) . وصهرية الملك المعظم عيسى الواقع في الطرف الغربي اسفل صحن الصخرة والذي تم إنشاؤه سنة 607 هجرية/ 1210 ميلادية (5) .
وقد ظهرت كلمة "سبيل" بمعنى عين المياه وما لحقها من مصطلح معماري في الفترة المملوكية والتي تبلورت عن فكرة عمل الخير (في سبيل الله) .
وحيث أن تيسير الماء للناس يعتبر من الأعمال الخيرية التي ينطبق عليها ثواب الصدقة الجارية حتى بعد وفاة فاعلها، علماً بأن فعل الكلمة هو "أسبل" بمعنى "صب الماء" .
هذا وقد استمرت ظاهرة إنشاء الأسبلة في الفترة العثمانية والتي امتازت بطابع معماري خاص ومميز .
هذا ويقوم في ساحة الحرم الشريف تسعة من الأسبلة التي تعود في تاريخ إنشائها للفترات الإسلامية الأيوبية والمملوكية والعثمانية. وقد تركزت في الجهتين الغربية والشمالية للحرم الشريف، وهي مرتبة حسب فتراتها الإنشائية كالآتي:
1) الكاس: (دليل الموقع – 40)
يقوم الكاس (متوضأ الكاس) أمام المسجد الأقصى في الجهة الجنوبية منه، وهو عبارة عن حوض رخامي مستدير الشكل تتوسطه نافورة تشبه الكاس (التي نسب المتوضأ إليها) فتحت بجوانبه صنابير لتدفق المياه منها إلى الحوض. كما وفتحت بجوانب أيضاً صنابير أخرى لإخراج المياه منها وتمكين المصلين من الوضوء. أما المقاعد الحجرية والحماية الحديدية المحيطة بالحوض فقد استحدثت في فترات متأخرة .
هذا وقت تم إنشاء هذا المتوضأ في عهد السلطان سيف الدين أبو بكر بن أيوب سنة 589 هجرية/ 1193 ميلادية (6) وهو الذي أنشأ مجمع السقاية أو المطهرة الواقعة بباب المطهرة التي ذكرناها سابقاً .
2) سبيل شعلان : (دليل الموقع – 41)
يقوم هذا السبيل أسفل الدرج الشمالي الغربي المؤدي إلى صحن الصخرة المشرفة، ويعتبر هذا السبيل من الصهاريج الأيوبية التي تم إنشاؤها في عهد الملك المعظم عيسى سنة 613 هجرية/ 1216 ميلادية (7)، وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في واجهته .
هذا وقد تم ترميمه وتجديده في الفترة المملوكية في عهد السلطان الملك الأشرف برسباي وذلك في سنة 832 هجرية/ 1428 ميلادية، وفق ما جاء في النقش التذكاري الموجود أيضاً في واجهته ( والذي ذكر فيه كلمة "سبيل" حتى أصبح يعرف منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا بالسبيل .
كما وجرت عليه ترميمات وإصلاحات في الفترة العثمانية.
الأسبلة المملوكية :
3) سبيل البصيري (المعروف بسبيل باب الحبس) دليل الموقع – 42)
يقوم هذا السبيل في الشمال الشرقي من باب الناظر بباب الحبس حيث اشتهر السبيل بهذا الاسم، كما عرف بسبيل علاء الدين البصيري وسبيل باب الناظر .
هذا وقد تم تجديده في عهد السلطان الملك برسباي سنة 839 هجرية/ 1436 ميلادية، بإشراف نائب السلطنة الشريفة وناظر الحرمين الشريفين، وذلك حسب ما ورد في النقش التذكاري الموجود في لوحتين في الزاويتين الشرقية والغربية أعلى الجدار الجنوبي للسبيل والذي جاء فيه ما نصه (9) :
في اللوحة الشرقية:
((بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا البئر/ في أيام مولانا السلطان الملك/ الأشرف برسباي وذلك بنظر المقر الحسامي/ حسن قجا نائب السلطنة الشريفة وناظر الحرمين/ الشريفين أعز الله أنصاره/)) .
وفي اللوحة الغربية:
((وسعى في عمارته العبد الفقير إلى الله/ تعالى الحاج إبراهيم الرومي غفر الله/ له ولجميع المسلمين وأشرط أن لا يسقى/ منه سقاء إلا الفقراء والمساكين ولا يباح لأحد/ يملأ بقربة بتاريخ جمادى الآخر سنة تسع وثلاثين وثمان مائة)) .
4) سبيل قايتباي : (دليل الموقع – 43)
يعتبر سبيل قايتباي (10) من أهم أسبلة الحرم الشريف والقدس خاصة، وفلسطين وبلاد الشام عامة. ذلك أنه النموذج الوحيد والفريد من نوعه في المنطقة والتي عرفت بالأسبلة القايتبائية (المملوكية) في مصر .
يقوم هذا السبيل مقابل مكتبة الأقصى (المدرسة الأشرفية) في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف حيث بني فوق ماء عامر حتى يومنا هذا .
ويتألف مبنى السبيل من غرفة قوامها أربع واجهات معمارية تعلوها قبة حجرية كروية أقيمت على مثلثات كروية شكلت رقبة حجرية مضلعة. وقد فتح في واجهاته الثلاث شبابيك مستطيلة الشكل أما الواجهة الشرقية فقد فتح فيها باب للسبيل .
وقد زخرفت القبة من الداخل والخارج بزخارف نباتية نافرة جاءت في غاية الجمال، وقد اشتهر هذا النمط من القباب في مصر في الفترة المملوكية البرجية ونخص بالذكر عمائر السلطان قايتباي الشهيرة هناك. حيث لا نكاد نجد نموذجاً آخر لهذه القباب في فلسطين سوى هذه القبة .
فضلاً عن العناصر المعمارية والفنية التي أغنت واجهات السبيل الأربع حيث زينت بالعناصر المعمارية والزخرفية المملوكية والتي اشتملت على صفوف الحجارة المشهرة باللونين الأحمر والأبيض والأعمدة الركنية المزخرفة والإطارات الميمية التي أحاطت بالشبابيك والشريط الكتابي الذي يقوم أعلى الواجهات الأربعة للسبيل .
تاريخ المبنى:
يعود تاريخ البناء الأول لهذا السبيل إلى عهد السلطان الأشرف سيف الدين إينال (857-865 هجرية/ 1435-1461 ميلادية) وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي، فضلاً عما جاء عند مجير الدين (11) بخصوص ذلك حيث قال: ((وكان قديماً على البئر المذكور (المقصود سبيل قايتباي) قبة مبنية بالأحجار كغيره من الآبار الموجودة بالمسجد (أي الحرم الشريف) فوق تلك القبة وبني السبيل المستجد وفرش أرضه بالرخام وصار في هيئة لطيفة (أي سبيل قايتباي) ..)) .
فمما لا شك فيه أن السلطان الأشرف قايتباي، عندما أتم بناء المدرسة الأشرفية، أمر بهدمه وإعادة بنائه بشكل يتناسب وهيئة مدرسته الأشرفية التي أعاد بناءها أيضاً كما مر معنا لتتناسب وعظمة مكانة الحرم الشريف. فعلى ما يبدو أن نفس الصناع والمعمارين الذين قاموا ببناء الأشرفية هم أنفسهم الذين بنوا هذا السبيل .
هذا وقد تم إعادة تجديد بنائه في الفترة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد في سنة 1300 هجرية/ 1883 ميلادية وذلك حسب ما جاء بالشريط الكتاب للسبيل والذي من المحتمل جداً أنه استبدل بالشريط القايتبائي الذي كان قائماً مكانه على غرار الشريط الكتابي في المدرسة الأشرفية .
أما نص الشريط الكتابي فهو (12) :
في الواجهة الجنوبية:
((بسم الله الرحمن الرحيم، إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً، يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)) (13) . أنشأ هذا السبيل المبارك مولانا الملك الأشرف إينال ثم جدده سلطان الإسلام والمسلمين قامع .
في الواجهة الشمالية:
((الكفرة والمشركين ناشر العدل في العالمين السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي أعز الله أنصاره في شهر شوال المبارك سنة سبع وثمانين وثمانمائة)) .
في الواجهة الشرقية:
((ثم جدده الخليفة الأعظم والسلطان المفخم السلطان الغازي عبد الحميد خان ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان من آل عثمان أعز الله ملكه في شهر رجب الفرد سنة ثلاثمائة وألف)) .
الأسبلة العثمانية:
5) سبيل قاسم باشا : (دليل الموقع – 44)
يقوم هذا السبيل إلى الجنوب من سبيل قايتباي بالقرب من باب السلسلة، وقد تم إنشاؤه في عهد السلطان سليمان القانوني بإشراف والي القدس قاسم باشا وذلك في سنة 933 هجرية/ 1527 ميلادية، وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في واجهته (14) .
وإلى الشمال من هذا السبيل تقوم بركة مربعة الشكل يتوسطها نافورة ومحاطة بدرابزين حديدي، تسمى بركة النارنج، تعود في تاريخ تأسيسها إلى الفترة المملوكية، ولكن جرت عليها ترميمات عديدة في الفترة العثمانية، وكذلك على يدي المجلس الإسلامي الأعلى في سنة 1922 م.
6) سبيل السلطان سليمان: (دليل الموقع – 45)
من المعلوم أن السلطان سليمان القانوني قد قام بحملة معمارية كبيرة في القدس اشتملت على سور القدس الحالي وكذلك بناء الأسبلة والتي بلغ عددها ستة، وعرفت بالأسبلة السليمانية لما امتازت به من طراز معماري خاص جاءت على شكل واجهات معمارية مستقلة، احتوت على العناصر المعمارية والفنية المختلفة التي هي امتداد للعمارة المملوكية في القدس وبخاصة فترة السلطان قايتباي .
ويقوم هذا السبيل في الجهة الشمالية من ساحة الحرم الشريف بالقرب من باب العتم والذي عرف أيضاً بسبيل باب العتم نسبة له. حيث تم إنشاؤه في سنة 943 هجرية وفق ما جاء في النقش التذكاري الذي يتوسط واجهته والذي جاء فيه ما نصه (15) :
((أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك مولانا السلطان الملك الأعظم والخاقان المكرم مالك رقاب الأمم/ سلطان الروم والعرب والعجم السلطان سليمان ابن السلطان سليمان خالد خلد الله ملكه وسلطانه/ بتاريخ الهجرة النبوية في أوائل شهر شعبان المعظم في سنة ثلاثة وأربعين وتسعمائة وصلى الله على محمد وآله أجمعين)) .
7) سبيل البديري : (دليل الموقع – 46)
يقوم هذا السبيل إلى الشرق من باب الناظر في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف. وقد تم إنشاؤه في عهد السلطان محمود الأول في سنة 1153 هجرية/ 1740 ميلادية، بإشراف مصطفى آغا قائمقام القدس في ذلك الوقت بأمر من الوالي عثمان بيك الفقاري، وذلك حسب ما ورد في النقش التذكاري الموجود في الضلع الشرقي للسبيل والذي جاء فيه ما نصه (16):
((عمره من حاز كل سؤدد وفضله قد فاض فيما يهب/ عين الأكارم والأماجد مصطفى قائمقام القدس نال المطلب/ كالسلسبيل ماؤه يشفي الصدا عذب فرات ساغ منه المشرب/ برسم من حاز الفخار والعلى عثمان بيك الفقاري ينسب/ يبغي به الجزاء يوم محشر في زمرة الأخيار غد يحسب/ كلاهما من حوض طه يرتوي يا حبذاك مطلب ومآرب/ كلاهما البشرى له تاريخه في قدح من الرحيق يشرب/ سنة 1153)) .
سبيل باب حطة: (دليل الموقع – 47)
يقوم هذا السبيل على يسار الداخل من باب حطة إلى الحرم الشريف، وهو بسيط التكوين، ويعود في إنشائه إلى الفترة العثمانية .
9) سبيل باب المغاربة: (دليل الموقع – 48)
من الأسبلة غير المعروفة الاسم، هذا السبيل الذي يقوم مقابل باب المغاربة والذي يعود في تاريخ إنشائه للفترة العثمانية .
[/b]وعليه كان لا بد من توفير مصادر المياه في كل مسجد لتيسير الوضوء للمصلين .
ومن هذا المنطلق، فقد حرص المسلمون حرصاً شديداً على توفير مصادر المياه في الحرم الشريف وذلك من خلال احتفار الآبار وإنشاء الصهاريج والأسبلة في ساحة الحرم لتخزين مياه الأمطار. فضلاً عن الاهتمام بإيصال المياه من مصادرها الطبيعية (مثل الينابيع المجاورة في المنطقة) عن طريق حفر القنوات وتمديدها لضمان تزويد خزانات المياه المذكورة أعلاه بالمياه العذبة.
وقد بلغ عدد الآبار الموجود في ساحة الحرم الشريف والتي تعود في تاريخها للفترات الإسلامية المبكرة، خمس وعشرون بئراً عذبة: ثمان منها في صحن الصخرة المشرفة وسبع عشرة في ساحة المسجد الأقصى (1) .
وفي الفترة الأيوبية تم إنشاء عدد من السقايات (2) والصهاريج (3) ، نذكر منها سقاية الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب، الواقعة بباب المطهرة والتي تم إنشاؤها سنة 589 هجرية/ 1193 ميلادية (4) . وصهرية الملك المعظم عيسى الواقع في الطرف الغربي اسفل صحن الصخرة والذي تم إنشاؤه سنة 607 هجرية/ 1210 ميلادية (5) .
وقد ظهرت كلمة "سبيل" بمعنى عين المياه وما لحقها من مصطلح معماري في الفترة المملوكية والتي تبلورت عن فكرة عمل الخير (في سبيل الله) .
وحيث أن تيسير الماء للناس يعتبر من الأعمال الخيرية التي ينطبق عليها ثواب الصدقة الجارية حتى بعد وفاة فاعلها، علماً بأن فعل الكلمة هو "أسبل" بمعنى "صب الماء" .
هذا وقد استمرت ظاهرة إنشاء الأسبلة في الفترة العثمانية والتي امتازت بطابع معماري خاص ومميز .
هذا ويقوم في ساحة الحرم الشريف تسعة من الأسبلة التي تعود في تاريخ إنشائها للفترات الإسلامية الأيوبية والمملوكية والعثمانية. وقد تركزت في الجهتين الغربية والشمالية للحرم الشريف، وهي مرتبة حسب فتراتها الإنشائية كالآتي:
1) الكاس: (دليل الموقع – 40)
يقوم الكاس (متوضأ الكاس) أمام المسجد الأقصى في الجهة الجنوبية منه، وهو عبارة عن حوض رخامي مستدير الشكل تتوسطه نافورة تشبه الكاس (التي نسب المتوضأ إليها) فتحت بجوانبه صنابير لتدفق المياه منها إلى الحوض. كما وفتحت بجوانب أيضاً صنابير أخرى لإخراج المياه منها وتمكين المصلين من الوضوء. أما المقاعد الحجرية والحماية الحديدية المحيطة بالحوض فقد استحدثت في فترات متأخرة .
هذا وقت تم إنشاء هذا المتوضأ في عهد السلطان سيف الدين أبو بكر بن أيوب سنة 589 هجرية/ 1193 ميلادية (6) وهو الذي أنشأ مجمع السقاية أو المطهرة الواقعة بباب المطهرة التي ذكرناها سابقاً .
2) سبيل شعلان : (دليل الموقع – 41)
يقوم هذا السبيل أسفل الدرج الشمالي الغربي المؤدي إلى صحن الصخرة المشرفة، ويعتبر هذا السبيل من الصهاريج الأيوبية التي تم إنشاؤها في عهد الملك المعظم عيسى سنة 613 هجرية/ 1216 ميلادية (7)، وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في واجهته .
هذا وقد تم ترميمه وتجديده في الفترة المملوكية في عهد السلطان الملك الأشرف برسباي وذلك في سنة 832 هجرية/ 1428 ميلادية، وفق ما جاء في النقش التذكاري الموجود أيضاً في واجهته ( والذي ذكر فيه كلمة "سبيل" حتى أصبح يعرف منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا بالسبيل .
كما وجرت عليه ترميمات وإصلاحات في الفترة العثمانية.
الأسبلة المملوكية :
3) سبيل البصيري (المعروف بسبيل باب الحبس) دليل الموقع – 42)
يقوم هذا السبيل في الشمال الشرقي من باب الناظر بباب الحبس حيث اشتهر السبيل بهذا الاسم، كما عرف بسبيل علاء الدين البصيري وسبيل باب الناظر .
هذا وقد تم تجديده في عهد السلطان الملك برسباي سنة 839 هجرية/ 1436 ميلادية، بإشراف نائب السلطنة الشريفة وناظر الحرمين الشريفين، وذلك حسب ما ورد في النقش التذكاري الموجود في لوحتين في الزاويتين الشرقية والغربية أعلى الجدار الجنوبي للسبيل والذي جاء فيه ما نصه (9) :
في اللوحة الشرقية:
((بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا البئر/ في أيام مولانا السلطان الملك/ الأشرف برسباي وذلك بنظر المقر الحسامي/ حسن قجا نائب السلطنة الشريفة وناظر الحرمين/ الشريفين أعز الله أنصاره/)) .
وفي اللوحة الغربية:
((وسعى في عمارته العبد الفقير إلى الله/ تعالى الحاج إبراهيم الرومي غفر الله/ له ولجميع المسلمين وأشرط أن لا يسقى/ منه سقاء إلا الفقراء والمساكين ولا يباح لأحد/ يملأ بقربة بتاريخ جمادى الآخر سنة تسع وثلاثين وثمان مائة)) .
4) سبيل قايتباي : (دليل الموقع – 43)
يعتبر سبيل قايتباي (10) من أهم أسبلة الحرم الشريف والقدس خاصة، وفلسطين وبلاد الشام عامة. ذلك أنه النموذج الوحيد والفريد من نوعه في المنطقة والتي عرفت بالأسبلة القايتبائية (المملوكية) في مصر .
يقوم هذا السبيل مقابل مكتبة الأقصى (المدرسة الأشرفية) في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف حيث بني فوق ماء عامر حتى يومنا هذا .
ويتألف مبنى السبيل من غرفة قوامها أربع واجهات معمارية تعلوها قبة حجرية كروية أقيمت على مثلثات كروية شكلت رقبة حجرية مضلعة. وقد فتح في واجهاته الثلاث شبابيك مستطيلة الشكل أما الواجهة الشرقية فقد فتح فيها باب للسبيل .
وقد زخرفت القبة من الداخل والخارج بزخارف نباتية نافرة جاءت في غاية الجمال، وقد اشتهر هذا النمط من القباب في مصر في الفترة المملوكية البرجية ونخص بالذكر عمائر السلطان قايتباي الشهيرة هناك. حيث لا نكاد نجد نموذجاً آخر لهذه القباب في فلسطين سوى هذه القبة .
فضلاً عن العناصر المعمارية والفنية التي أغنت واجهات السبيل الأربع حيث زينت بالعناصر المعمارية والزخرفية المملوكية والتي اشتملت على صفوف الحجارة المشهرة باللونين الأحمر والأبيض والأعمدة الركنية المزخرفة والإطارات الميمية التي أحاطت بالشبابيك والشريط الكتابي الذي يقوم أعلى الواجهات الأربعة للسبيل .
تاريخ المبنى:
يعود تاريخ البناء الأول لهذا السبيل إلى عهد السلطان الأشرف سيف الدين إينال (857-865 هجرية/ 1435-1461 ميلادية) وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي، فضلاً عما جاء عند مجير الدين (11) بخصوص ذلك حيث قال: ((وكان قديماً على البئر المذكور (المقصود سبيل قايتباي) قبة مبنية بالأحجار كغيره من الآبار الموجودة بالمسجد (أي الحرم الشريف) فوق تلك القبة وبني السبيل المستجد وفرش أرضه بالرخام وصار في هيئة لطيفة (أي سبيل قايتباي) ..)) .
فمما لا شك فيه أن السلطان الأشرف قايتباي، عندما أتم بناء المدرسة الأشرفية، أمر بهدمه وإعادة بنائه بشكل يتناسب وهيئة مدرسته الأشرفية التي أعاد بناءها أيضاً كما مر معنا لتتناسب وعظمة مكانة الحرم الشريف. فعلى ما يبدو أن نفس الصناع والمعمارين الذين قاموا ببناء الأشرفية هم أنفسهم الذين بنوا هذا السبيل .
هذا وقد تم إعادة تجديد بنائه في الفترة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد في سنة 1300 هجرية/ 1883 ميلادية وذلك حسب ما جاء بالشريط الكتاب للسبيل والذي من المحتمل جداً أنه استبدل بالشريط القايتبائي الذي كان قائماً مكانه على غرار الشريط الكتابي في المدرسة الأشرفية .
أما نص الشريط الكتابي فهو (12) :
في الواجهة الجنوبية:
((بسم الله الرحمن الرحيم، إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً، يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا، ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)) (13) . أنشأ هذا السبيل المبارك مولانا الملك الأشرف إينال ثم جدده سلطان الإسلام والمسلمين قامع .
في الواجهة الشمالية:
((الكفرة والمشركين ناشر العدل في العالمين السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي أعز الله أنصاره في شهر شوال المبارك سنة سبع وثمانين وثمانمائة)) .
في الواجهة الشرقية:
((ثم جدده الخليفة الأعظم والسلطان المفخم السلطان الغازي عبد الحميد خان ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان من آل عثمان أعز الله ملكه في شهر رجب الفرد سنة ثلاثمائة وألف)) .
الأسبلة العثمانية:
5) سبيل قاسم باشا : (دليل الموقع – 44)
يقوم هذا السبيل إلى الجنوب من سبيل قايتباي بالقرب من باب السلسلة، وقد تم إنشاؤه في عهد السلطان سليمان القانوني بإشراف والي القدس قاسم باشا وذلك في سنة 933 هجرية/ 1527 ميلادية، وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في واجهته (14) .
وإلى الشمال من هذا السبيل تقوم بركة مربعة الشكل يتوسطها نافورة ومحاطة بدرابزين حديدي، تسمى بركة النارنج، تعود في تاريخ تأسيسها إلى الفترة المملوكية، ولكن جرت عليها ترميمات عديدة في الفترة العثمانية، وكذلك على يدي المجلس الإسلامي الأعلى في سنة 1922 م.
6) سبيل السلطان سليمان: (دليل الموقع – 45)
من المعلوم أن السلطان سليمان القانوني قد قام بحملة معمارية كبيرة في القدس اشتملت على سور القدس الحالي وكذلك بناء الأسبلة والتي بلغ عددها ستة، وعرفت بالأسبلة السليمانية لما امتازت به من طراز معماري خاص جاءت على شكل واجهات معمارية مستقلة، احتوت على العناصر المعمارية والفنية المختلفة التي هي امتداد للعمارة المملوكية في القدس وبخاصة فترة السلطان قايتباي .
ويقوم هذا السبيل في الجهة الشمالية من ساحة الحرم الشريف بالقرب من باب العتم والذي عرف أيضاً بسبيل باب العتم نسبة له. حيث تم إنشاؤه في سنة 943 هجرية وفق ما جاء في النقش التذكاري الذي يتوسط واجهته والذي جاء فيه ما نصه (15) :
((أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك مولانا السلطان الملك الأعظم والخاقان المكرم مالك رقاب الأمم/ سلطان الروم والعرب والعجم السلطان سليمان ابن السلطان سليمان خالد خلد الله ملكه وسلطانه/ بتاريخ الهجرة النبوية في أوائل شهر شعبان المعظم في سنة ثلاثة وأربعين وتسعمائة وصلى الله على محمد وآله أجمعين)) .
7) سبيل البديري : (دليل الموقع – 46)
يقوم هذا السبيل إلى الشرق من باب الناظر في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف. وقد تم إنشاؤه في عهد السلطان محمود الأول في سنة 1153 هجرية/ 1740 ميلادية، بإشراف مصطفى آغا قائمقام القدس في ذلك الوقت بأمر من الوالي عثمان بيك الفقاري، وذلك حسب ما ورد في النقش التذكاري الموجود في الضلع الشرقي للسبيل والذي جاء فيه ما نصه (16):
((عمره من حاز كل سؤدد وفضله قد فاض فيما يهب/ عين الأكارم والأماجد مصطفى قائمقام القدس نال المطلب/ كالسلسبيل ماؤه يشفي الصدا عذب فرات ساغ منه المشرب/ برسم من حاز الفخار والعلى عثمان بيك الفقاري ينسب/ يبغي به الجزاء يوم محشر في زمرة الأخيار غد يحسب/ كلاهما من حوض طه يرتوي يا حبذاك مطلب ومآرب/ كلاهما البشرى له تاريخه في قدح من الرحيق يشرب/ سنة 1153)) .
سبيل باب حطة: (دليل الموقع – 47)
يقوم هذا السبيل على يسار الداخل من باب حطة إلى الحرم الشريف، وهو بسيط التكوين، ويعود في إنشائه إلى الفترة العثمانية .
9) سبيل باب المغاربة: (دليل الموقع – 48)
من الأسبلة غير المعروفة الاسم، هذا السبيل الذي يقوم مقابل باب المغاربة والذي يعود في تاريخ إنشائه للفترة العثمانية .